ما بين الكتب الورقية والكتب الرقمية




القراءة هي ركن من أركان بناء الحياة الإنسانية التي تعطر شعارها ودثارها، وهي التي تسبب في تنمية مهارة الإنسان وتطوّر أفكاره واتساع عقله بشكل كبير، قديما كنّا مقتصرين في قراءة الكتب الورقية فقط، لكن مع التقدمات التكنولوجية وتشعّب أغصانها في أرجاء العالم أصبحت القراءة متوفرة حتى بدون وجود كتاب ملموس بين أيدينا

كلّ ما يحتاج إليها المتطلع والقارئ صارت اليوم تظهر في الشاشات الإلكترونية المتنوعة، فالاختيار بين القراءة الورقية والإلكترونية وأفضليتهما يعدّ مسألة قابلة للتناظر والنقاش، دعنا نجد جوابا لائقا لهذا بفحص البحوث العلمية والمقارنة بين الكتب الورقية والرقمية وبما لهما من الميزات وما عليهما من القصور بشكل نسبيّ.

ظهور القراءة الإلكترونية

بدأت أجهزة القراءة الإلكترونية بالظهور إلى حدّ كبير منذ العام ٢٠٠٧ ، في أواخر عام ٢٠٠٧ ، قدمت أمازون قارئها الإلكتروني المشهور ب" كيندل" وتبعه قارئ" بارنس آند نوبل الإلكتروني " عام ٢٠٠٩

في أوائل الأوقات كانت تعدّ من الطرق الجيدة للشركات لبيع المزيد من الكتب بكل بساطة ولكن تدريجيا تمّ الترويج لها كوسيلة يمكن بها تحميل الكتب العديدة في جهاز واحد، ثم أصبحت كمساعد للأطفال على الدراسة والقراءة وصار تسويقها على نطاق واسع لدى االجميع، ولا بدّ من الإشارة أن الدراسات تقول بأنها ليست بالخيار الأفضل دائما.

مميزات الكتب الورقية

١. إنها توّفر تجربة فريدة ومتميزّة بالنسبة إلى الكتب الرقمية لأننا نستخدم حاسّة البصر عند القراءة وحاسّة اللمس بإجراء الأيادي على الصفحات وحاسة الشمّ أيضا بشمّ رائحة الأوراق ونستمتع بها كتجربة رائعة عاطفية لا معرفية فقط.

٢. نتعلم أكثر عند قراءة الكتب المطبوعة بالتركيز عليها بشكل كبير، وذلك بأن للباحثين من الجامعات ينبغي أن يركزوا على القراءة ويتعلموا أكثر بهذه الطريقة، ولكن وفقا لأحد الأبحاث في عام ٢٠١٨ لأكثر من ١٠٠٠٠ طالب جامعي في جامعة كاليفورنيا لا يستطيعون التركيز كثيرا عند القراءة رقميّا.

وهناك دراسات عديدة تظهر بأن الكتب المطبوعة هي التي تساعد في التركيز والتعليم بشكل جديّ من الكتب الإلكترونية.

٣. إنها تجربة خالية من المشتتات، عندما نجلس للقراءة على الأجهزة الإلكترونية نتلقّى الكثير من المشتتات التي تخلّ بالقراءة بشكل خطير

حسب الدراسات التي أقيمت ، أن ٦٧ ٪ من الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة قراءة الإلكترونية أو الأجهزة الأخرى لا يمكنهم القراءة أكثر من عشر دقائق، وذلك بأن الإشعارات والإعلانات والتحديث وما إليها تخلّ وتشوّش القارئ بهذه الأجهزة سلبيّا.

قصور الكتب الورقية

١. من الصعوبة حمل الكتب والتنقّل بها بسبب وزنها الثقيل عندما نسافر او نريد أن نحضر في قاعة الاجتماع مثلا يصعب علينا أن نحمل الكتب الثقيلة والكبير حجمها خلاف الكتب الرقمية، وأيضا تتعرّض لفقد النكت والحروف والأفكار المسجّلة عليها بممرّ الأزمان.

٢. صناعة الورق تتسبّب في قطع ٨٠ ألف شجرة يوميّا، فمما لا مشاحة فيه أنّ الأوراق مصدرها هي الأشجار والغابات

كما تشير الأرقام، أن الولايات المتحدة، أكبر منتجي الورق في العالم، تقطع كلّ عام نحو ٦٨ مليون شجرة لتصنيع الورق ومنتجاته،

وباستخدام التقنية الحديثة التي يمكن أن تغنينا عن الورق، يمكننا حفظ الغابات ومنع تلويث البيئة والهواء والمياه مثلما نفعل اليوم.

مميّزات الكتب الرقمية

١. توفّر مائات بل آلاف من الكتب تحت قبضة اليد، قد صار هناك عشرات من المواقع الإلكترونية او أكثر منها الخاصة بالكتب الرقمية والتي نجد فيها مائات أو ربّما ألوف من الكتب يمكننا تحميلها بشكل مجّاني، وبالإضافة إلى المواقع العديدة يتوفّر فيها كتب كثيرة بأسعار معتدلة تناسب الجميع.

٢. يمكننا تدوين الملاحظات وغيرها بسهولة أثناء القراءة، يوجد العديد من برامج التظليل التي هي بإمكاننا تحميلها واستخدامها في عملية تلخيص وأخذ الملاحظات من الكتب عندما نقرأ، من أهمّها: سكيم ومارفين وما إليها ، والتي يفيد في التظليل عبر القارئ الإلكتروني

٣. الكتب الرقمية أرخص من الكتب الورقية، لأنّ فيها قلّة التكلفة بحيث توفّر الكتب المطبوعة تكاليف الطباعة، والحبر والورق ومصاريف النقل والشّحن، فهي أرخص في الإنتاج، وأرخص في الشراء وبعضها مجانيّ، بحيث يسمح العديد من المكتبات العامّة على الانترنت لقراءة الكتب وتحميلها، فلا بدّ لها أن تكون أرخص من غيرها.

قصور الكتب الرقمية

١. إنّها تتسبّب في إجهاد العين بسبب القراءة لساعات طويلة كما تلمح الدراسات العلمية، بأنّ الضوء الأزرق على شاشة الأجهزة الذكية وغيرها ستكون سببا رئيسيّا في إجهاد العين باستخدامها لمدّة طويلة، وإضافة إلى هذا، لها تأثير سلبيّ على الجسم والأعضاء ولربّما تؤدّي إلى الأمراض أيضا.

٢. الكتب الورقية تكون هي تجربة مشتّتة، وذلك عندما يجلس الشخص للقراءة من كتاب على أجهزة لوحيّة إلكترونية فإنّ عقله يقفز على الصفحات ولا يستطيع التركيز والاستقرار على القراءة لما يتردّد عليها الإعلانات والرسائل المنبثقة وما سواها بحيث تؤثّر فيه بشكل سلبيّ.

الخاتمة

ففي نهاية المطاف، نصل إلى نتيجة مقنعة بعد أن تمّ التقارن بين الكتب المطبوعة والإلكترونية بما لهما من الإيجابيّات وما عليهما من السلبيّات ولأنّه كلاهما من طرق القراءة التي يعتمد عليها الكثير حتّى الآن، نؤكّد بأنّ الكتب الورقية لم تنضب صفحاتها ولم يضؤل قدرها بظهور القارئ الإلكتروني

ولكنها هي تجربة رائعة ومتميزّة بحيث تشكّل قارئها رجلا ذا أفكار واسعة وعقول قياديّة وقلوب نشطة، ومع ذلك لا نترك الكتب الرقمية، خصوصا في هذا العصر الراهن، بحيث يتدرّب عليها الأجيال الجديدة في جوانب حياتهم المختلفة.

وأخيرا، أنصّ على هذا المقول، أعني أنّ الطرق التي نستند عليها لقراءة الكتب أيّا كانت، من الواجب أن نهتمّ بالقراءة ولا ندير ظهرنا للكتب لأن لا يفوتنا الكثير من لذّاتها وما تتضمّن من دروس الحياة

أحمد علي جرلدكا

باحث في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة دار الهدى الإسلامية، كيرالا ،الهند

1 تعليقات

اترك تعليقاتك هنا

أحدث أقدم